احمد محمد، مدير قسم التطوير في قاف لاب
لا يخفى على أحد أن تغير المناخ مشكلة خطيرة تهدد البشرية اليوم. وأنَّ النظم البيئية والاقتصادات والمجتمعات الحساسة لكوكبنا سبق أن بدأت بتكبد أضرار التحولات السريعة في أنماط الطقس. تتصدر الزراعة جبهة المعركة ضدَّ تغيُرِ المناخ، وتعتبر الظواهر المناخية المتطرفة، وندرة المياه وتدهور التربة، بعض التحديات التي يواجهها المزارعون نتيجةً لأزمة تغير المناخ. وللوقوف بوجه هذا التحدي، تأخذ العديد من الشركات خطواتاً استباقية لمكافحة تغير المناخ وتعزيز الزراعة المستدامة. وإحدى هذه الشركات شركة قاف لاب (Qaf Lab)، وهي حاضنة أعمال ومركز ابتكار مقرها في الموصل، تسعى لتطوير حلول مبتكرة لمواجهة تحديات تغير المناخ في القطاع الزراعي.
تُكرِس قاف لاب مشاريعها الزراعية لتطوير ودمج المنتجات التكنولوجية الحديثة التي تساعد على تحسين مقاومة المحاصيل في وجه الضغوطات البيئية. تركز جهود الشركة في البحث والتطوير على اختبار المنتجات التي تساعد المزارعين على التكيف مع التحديات التي يفرضها تغير المناخ، بما في ذلك الجفاف والفيضانات والآفات والأمراض. تقدم قاف لاب أيضاً طرقاً لتوفير استهلاك الطاقة الناتج عن تبني الطُرق الزراعية التقليدية.
تحديات القطاع الزراعي
تعتبر ندرة المياه والجفاف والمخاوف البيئية المتعلقة بإمدادات مياه الري من التحديات الرئيسية التي تواجه القطاع الزراعي في العراق. ولهذه القضايا تأثير كبير على المحاصيل الزراعية وحالة التربة والموارد المائية. تعمل قاف لاب على مواجهة هذه التحديات من خلال تطوير حلول رائدة وتعزيز ممارسات الزراعة المستدامة.
تعمل قاف لاب أيضاً على معالجة قضية تدهور التربة من خلال تعزيز ممارسات الزراعة المستدامة مثل تدوير المحاصيل، والسماد والزراعة العضوية. تساعد هذه الممارسات على تحسين صحة التربة، وتقليل الحاجة إلى الأسمدة الاصطناعية ومبيدات الآفات، وتشجيع زراعة المحاصيل الصحية.
تشمل التحديات الأخرى المفاهيم المتوارثة بين المزارعين عبر الأجيال. للتغلب على هذه المشكلات، تستفيد قاف لاب من جمع وتحليل البيانات الضخمة لمساعدة المزارعين ومربي الماشية في اتخاذ قرارات مدروسة في ما يخص محاصيلهم وماشيتهم. تسعى قاف لاب، من خلال استخدام تحليل البيانات، إلى إقناع المزارعين بأنَّهم باستطاعتهم اتباع طرق أقل كلفة وأكثر فعاليةً في مهنتهم. تتيح هذه الطريقة للمزارعين تحسين عملياتهم ومردودهم مع تقليل تأثيرهم البيئي أيضاً.
سد الفجوة بين الناس وتغير المناخ
إن الفجوة بين الناس وتغير المناخ في العراق واسعة ومتعددة الأوجه. بينما يشكل تغير المناخ تهديداً كبيراً للأنظمة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية في العراق، لا يزال العديد من سكان البلد غير مدركين لهذه المشكلة أو يفتقرون إلى الموارد والمعرفة اللازمة لمعالجتها جذرياً.
أحد الأسباب الرئيسية لهذه الفجوة هو الصراع المستمر وعدم الاستقرار في العراق، مما أدى إلى التركيز على المخاوف الأمنية الآنية على حساب القضايا البيئية طويلة الأجل. بالإضافة إلى ذلك، يعتمد الاقتصاد العراقي اعتماداً كبيراً على إنتاج النفط، مما ساهم في رفع مستويات انبعاثات غازات الدفيئة وفي نقص الاستثمار في الطاقة المتجددة والممارسات المستدامة.
عامل آخر عَظَمَ هذه الفجوة هو نقص التثقيف العام والوعي عن تغير المناخ. لا يدرك الكثير من العراقيين واقع تغير المناخ أو آثاره المحتملة على حياتهم ومجتمعاتهم، ويمكن أن يصَعِبَ نقص الوعي هذا على الأفراد والمجتمعات اتخاذ إجراءات للحد من انبعاثات الكربون، والاستعداد لعواقب تغير المناخ.
وأخيراً، كان لبطيء الحكومة والمؤسسات العراقية في تطوير وتنفيذ السياسات والبرامج لمكافحة تأثير تغير المناخ أثرٌ بالغ في توسيع هذه الهوَّة. ورغم إطلاق بعض المبادرات التي تهدف إلى التخفيف من تغير المناخ والتكيُف معه، مثل خطة التكيف الوطنية للعراق، ما زالت هذه الجهود محدودة النطاق والتنفيذ.
بشكل عام، سيتطلب ردم الفجوة بين الناس وتغير المناخ في العراق نهجاً متعدد الأوجه يتضمن زيادة التثقيف والوعي العام، وتفعيل إجراءات وسياسات حكومية أقوى، وزيادة الاستثمار في الطاقة المتجددة والممارسات المستدامة. إذا ما تضافرت الجهود، يمكن للعراقيين تبني أساليب جديدة لتحقيق تحول إيجابي في ممارساتهم الزراعية، مما سيبني مجتمعات أكثر مرونة ومقاومةً لتغيرات المناخ.
حلول تكنلوجية زراعية مبتكرة لقطاع زراعي أكثر مقاومة
تعتبر قاف لاب في طليعة الصناعة الزراعية في العراق، لاستخدامها حلولاً متطورة مثل أنظمة الري الذكية لاختبار التقنيات المبتكرة وتطبيقها في سيناريوهات عملية. وبتفعيلها لهذه التقنيات ورسمها طرق تنفيذها في عمليات الزراعة على أرض الواقع، استطاعت قاف لاب من تطوير دراسات حالة مُثْبَتَة، والقيادة هذا المجال كمثالٍ يحتذى به. لا يؤدي تطبيق هذه الحلول المتقدمة في الزراعة إلى إنتاجية وكفاءة أفضل فحسب، ولكنه يقلل أيضاً الآثار البيئية ويحسن الاستدامة.
وإحدى المزايا الرئيسية لأنظمة الري الذكية هي تحسين استخدام المزارعين للمياه، وتقليل الهدر وزيادة غلة المحاصيل. من خلال استخدام أجهزة الاستشعار والخوارزميات المتطورة لمراقبة رطوبة التربة ودرجة حرارتها والعوامل الرئيسية الأخرى، يمكن لهذه الأنظمة تحديد وقت وكمية المياه المطلوبة بدقة، مما يمكن المزارعين من الحفاظ على الموارد وتقليل تأثيرها البيئي.
تتحدى قاف لاب أيضاً الصور النمطية في القطاع الزراعي من خلال التأكيد على أهمية ممارسات الزراعة المستدامة، وذلك عن طريق ترويجها لتقنيات مثل تدوير المحاصيل والزراعة العضوية والإدارة المتكاملة للآفات، وكل الممارسات التي تعمل على تقليل استخدام المواد الكيميائية الضارة، وتنمية محاصيل أكثر صحة ومرونة، والعمل على استخدام حلول أقل كلفة للمساعدة في تحسين الإنتاجية وزيادة الربح الإجمالي.
تلتزم قاف لاب باستخدام أحدث التطورات التكنولوجية في المشاريع التي تستثمر فيها لدفع التحول التكنولوجي في الصناعة الزراعية. على الرغم من أن هذه الطرق لم تنفذ إلا في نطاق صغير، لكن فعاليتها في خلق قصص النجاح ووضع معايير جديدة في السوق قد أُثبِتت. ولضمان الاستدامة، تستخدم قاف لاب تقنيات مبتكرة لمراقبة استهلاك الطاقة وإدارة نفايات الطاقة بكفاءة في مزارعها. تتبع الشركة نهجاً هجيناً يجمع بين الكهرباء من الشبكة الوطنية والمولدات الخاصة والألواح الشمسية لتقليل تأثيرها على البيئة. من خلال اعتمادها طرقاً مبتكرةً ومستدامة، تقطع قاف لاب شوطاً كبيراً نحو إنشاء قطاع زراعي أكثر كفاءة وصديق للبيئة.
الزراعة العضوية
تعمل قاف لاب من خلال جهودها البحثية وشراكاتها مع المزارعين المحليين على تطوير وتشجيع تقنيات مبتكرة مصممة خصيصاً لبيئة العراق ومناخه. تشمل هذه التقنيات طرق مكافحة الآفات العضوية، والتسميد، وتدوير المحاصيل، مما يزيد من خصوبة التربة ويقلل الحاجة إلى الأسمدة الصناعية والمبيدات الزراعية.
أحد منتجات قاف لاب الرئيسية هو الأسمدة الحيوية التي يمكن أن تحسن صحة التربة وتزيد غلة المحاصيل. هذه المنتجات مصنوعة من مكونات طبيعية وهي مصممة للتفاعل مع العمليات الطبيعية للتربة. وبتحسينها صحة التربة، تقلص هذه الأسمدة الحيوية الحاجة للأسمدة الاصطناعية، التي تمثل مصدراً مهماً لانبعاثات غازات الدفيئة. بالإضافة إلى ذلك، كلما زادت هذه الأسمدة الحيوية من غلة المحاصيل، قل الاعتماد على تحويل الأراضي، مما يحد من إزالة الغابات وغيرها من أشكال تدمير الموائل.
تبنت قاف لاب الزراعة العضوية كجزء من مهمتها لتحسين الاستدامة الزراعية وزيادة إنتاج المحاصيل. يركز نهج الشركة في الزراعة العضوية على تحسين خصوبة التربة الطبيعية ودورة المغذيات، فضلاً عن استخدام المكافحة الطبيعية للآفات. كما تشجع اعتماد أنظمة المحاصيل المختلطة، التي يمكن أن تزيد الغلات وتقلل من الحاجة إلى المدخلات الكيميائية.
وتروج الشركة أيضاً للفوائد الصحية لتناول المنتجات العضوية، فقد أظهرت الدراسات أن المنتجات العضوية تحتوي على مستويات أعلى من مضادات الأكسدة والفيتامينات والمعادن المفيدة مقارنة بالفواكه والخضروات المنتجة بالطرق التقليدية. ولهذه المزايا القدرة على تحسين صحة الناس، وتشجيع المزارعين أيضاً على إنتاج محاصيل صحية أكثر. تعمل قاف لاب على زيادة الوعي بفوائد الزراعة العضوية بين المستهلكين النهائيين والمزارعين من خلال تنظيم ورش العمل والبرامج التدريبية والفعاليات، التي تزيد من وعي الناس حول أهمية الزراعة المستدامة وفوائد الزراعة العضوية.
إضافةً إلى ذلك، تتعاون الشركة مع المزارعين المحليين لتقديم المساعدة الفنية والدعم للانتقال إلى الزراعة العضوية عن طريق توفير البذور العضوية واختبار التربة والتوجيه بشأن متطلبات إصدار الشهادات العضوية.
ربط المزارعين التقليديين بالتكنولوجيا
تؤدي قاف لاب دوراً حيوياً في سد الفجوة بين المزارعين التقليديين والتكنولوجيا الحديثة في القطاع الزراعي العراقي. وتفعل ذلك بأدائها دور الوسيط الذي يربط المزارعين التقليديين بالحلول التقنية الحديثة التي يمكن أن تساعدهم على زيادة الإنتاجية وخفض التكاليف واعتماد ممارسات زراعية صديقة للبيئة.
يواجه العديد من المزارعين التقليديين في العراق عراقيل كبيرة في مساعيهم لتبني تقنيات جديدة، وتشمل الافتقار إلى الوصول إلى التمويل، ومحدودية المعرفة والمهارات التقنية، وتفضيل الممارسات الزراعية التقليدية.
وإحدى طرق قاف لاب لسد هذه الفجوة هي استخدام تقنيات الزراعة الذكية. من خلال استخدام أجهزة الاستشعار المتقدمة والطائرات بدون طيار وغيرها من التقنيات، تساعد الشركة المزارعين ومربي الماشية على جمع وتحليل البيانات حول محاصيلهم وظروف التربة والظروف الجوية وماشيتهم. يمكن بعد ذلك استخدام هذه البيانات لتحسين أوقات الزراعة والحصاد وتقليل استخدام المياه والوقاية من الآفات والأمراض.
كما تتعاضد قاف لاب مع شبكة من المزارعين ذوي خبرة غنية في العمل في العراق لتطوير منهجيات الاختبار في المراحل المبكرة، وبناء الممارسات المشتركة والتعلم من أفضلها.
علاوة على ذلك، تعمل الشركة على ضمان إتاحة هذه الحلول وبأسعار معقولة للمزارعين التقليديين. من خلال توفير خيارات التمويل والتعاون مع التعاونيات والجمعيات المحلية، تساعد قاف لاب في تطوير قطاع زراعي أكثر شمولاً واستدامة يفيد جميع أصحاب المصلحة، مما يؤدي بناء صناعة أكثر مرونة واستدامة وربحية تفيد المزارعين والمستهلكين على حدٍ سواء.
إعادة تدوير نفايات فطر الريف تدفع عجلة الاقتصاد الدائري
فطر الريف هو أحد المشروعات التي احتضنتها قاف لاب، وهو مشروع يشمل عملية زراعة الفطر وحصاده وتخزينه وبيعه، ويهدف إلى زراعة الفطر بمختلف أنواعه وتوزيعه في السوق كمنتج محلي متوفر عبر جميع المواسم.
نفَّذ فطر الريف حلاً مبتكراً ومستداماً لإدارة نفاياته الفطر من خلال استخدامها في عملية إعادة التدوير لتطوير التربة وتحسينها. لا تفيد هذه العملية المزرعة فقط بتقليلها للنفايات ولكنها تساهم أيضاً في حماية البيئة بواسطة توفير حل لإدارة النفايات العضوية.
نفايات الفطر هي المواد المتبقية من زراعة الفطر، وهي غنيةٌ بالعناصر الغذائية مثل النيتروجين والفوسفور والبوتاسيوم وتحتوي على شتى الكائنات الحية الدقيقة، مما يجعله مكوناُ مثالياً لتحسين التربة. تُجمَعُ النفايات في مزرعة فطر الريف وتعالج لإزالة أي ملوثات قبل إعادة دمجها بالتربة.
ولعملية إعادة دمج نفايات الفطر في التربة فوائد عديدة، منها أولاً، أنها تحسن بُنيَة التربة، وبذلك تعزز خصوبتها وقدرتها على الاحتفاظ بالمياه. وهذا بدوره يؤدي إلى تحسين نمو النباتات وزيادة غلة المحاصيل، وثانياً، أنها تساعد الكائنات الحية الدقيقة في نفايات الفطر على تكسير المواد العضوية وإطلاق العناصر الغذائية في التربة وزيادة توافر العناصر الأساسية لنمو النبات. وبِهذا، تعزز هذه العملية مفهوم الاقتصاد الدائري.
مهمة قاف لاب
قاف لاب هي واحدة من الشركات الخاصة المحلية التي تقود الجهود لتعزيز الزراعة العضوية في العراق من خلال الاستفادة من قدراتها البحثية الواسعة وشراكاتها مع المزارعين المحليين والالتزام بالاستدامة. تساعد قاف لاب في إنشاء قطاع زراعي أكثر مرونة واستدامة وازدهاراً في العراق.
لا تحاول قاف لاب بناء قطاع زراعي موازٍ جديد في العراق، بل تهدف بدلاً من ذلك إلى تحدي الممارسات الزراعية التقليدية السائدة في العراق من خلال تقديم حلول مبتكرة تعيد تعريفها. تسعى قاف لاب من خلال الحلول المبتكرة إلى تقديم بديل جديد وأكثر استدامة ومرونةً وصداقة للبيئة، يساعد في مكافحة تغير المناخ. من خلال تغيير الصور النمطية للطرق الزراعية التقليدية في العراق، نهدف قاف لاب إلى تحسين الكفاءة والإنتاجية والاستدامة العامة للزراعة في البلاد، مما يعود بالفائدة في نهاية المطاف على المزارعين والمستهلكين على حد سواء.